فصل: مسألة العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة قال لغلام لأبيه في حياة أبيه يوم أملكك فأنت حر:

وسئل مالك: عمن قال لغلام لأبيه في حياة أبيه: يوم أملكك فأنت حر، فهلك الأب وملكه، قال: أو كان قال ذلك له يوم قاله وهو سفيه، فلا أرى له عتقا، وإن كان يومئذ حليما، فأراه يعتق عليه.
قال محمد بن رشد: هذا هو المعلوم في المذهب المشهور من قول مالك وجميع أصحابه، أن من أعتق ما لم يملك بشرط ملكه إياه، أو طلق ما لم ينكح بشرط نكاحه إياها، أن ذلك لازم له إذا خص ولم يعم، والأصل في لزوم ذلك له، قول الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75] إلى قوله: {وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77] ومن أهل العلم من ألزمه ذلك خص أو عم وهو القياس، ومنهم من لم يلزمه ذلك- خص أو عم- تعلقا بظاهر قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك» وتفرقة مالك بين أن يخص أو يعم استحسان، فتفرقته في الرواية بين أن يكون يوم قاله سفيها أو حليما- صحيحة بينة؛ لأن السفيه لا يلزمه العتق لكونه محجورا عليه في ماله بقول الله عز وجل: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء: 5] الآية وإنما موضوع الكلام هل هو محمول على الرشد في حياة أبيه حتى يعلم سفهه، أو على السفه حتى يعلم رشده، فالمشهور أنه محمول على السفه حتى يعلم رشده، وهو نص قول ابن القاسم في رواية يحيى عنه من كتاب الصدقات والهبات، وقيل: إنه بالبلوغ محمول على الرشد حتى يعلم سفهه على ظاهر قوله في كتاب النكاح الأول من المدونة إذا احتلم الغلام فله أن يذهب حيث شاء، وقد مضى الكلام على هذا في غير ما موضع من هذا الكتاب وغيره، وبالله التوفيق.

.مسألة كان لزوجها امرأة أخرى فآثر الأخرى عليها في مبيت ليال:

ومن كتاب القبلة:
وقال في امرأة كان لزوجها امرأة أخرى فآثر الأخرى عليها في مبيت ليال، فقالت: إن بت معك تحت سقف بيت حتى تبيت معي مثل ما بت عند الأخرى، فجاريتي حرة لوجه الله، قال مالك: يبيت معها في غير بيت في حجرة ويترك الأخرى حتى يفرغ من تلك الليالي.
قال أصبغ: أراها حانثة حيثما بات معها؛ لأنها إنما حلفت على الاجتناب والمنع حتى يفعل، ولا يبرها أن تبيت معه في الحجرة، ولو باتت معه في جوف الماء، لرأيتها حانثة، قال أصبغ: والذي يبرها- عندي- أن تبيت معه في الحجرة قدر الأيام التي كان عند صاحبتها ولا يمسها فيها، فإن مسها، حنثت، فإذا فرغ منها، بات معها في البيت، إلا أن تكون صمدت لنفسها صمدا المصاب في الحجرة، فلا تبر حتى يصيبها في الحجرة في تلك الليالي.
قال محمد بن رشد: قول مالك في هذه المسألة بين؛ لأن الذي يدل عليه بساطها الذي خرجت يمينها عليه، إنها لما آثر عليها الأخرى، أرادت أن تعاقبه على ذلك بأن لا تبيت معه تحت سقف حتى يوفيها عدد الأيام التي آثر عليها فيها الأخرى، فإذا بات معها في الحجرة عدد تلك الأيام، برت في يمينها- كما قال- أصابها فيها أو لم يصبها، إلا أن تكون نوت أن يصيبها فيها أو لا يصيبها فيها، فتكون في ذلك على نيتها والنية في ذلك محتملة للوجهين، إذ قد يحتمل أن تكون أرادت معاقبته على ما فعل من الإيثار عليها، بأن لا تبيت معه تحت سقف بيت، مع أن يصل منه في تلك الليالي إلمام بها إلى ما عسى أن يكون ألم به من الأخرى، ويحتمل أيضا أن تكون أرادت معاقبته على ذلك بأن تحرمه في عدد تلك الليالي الميت معها تحت سقف البيت، والمصاب لها فيها، وعلى هذا حمل أصبغ يمينها فقال: إنها حانثة، حيثما بات معها ولو في جوف الماء- إن أصابها فيها، ورأى أن الذي يبرها أن تبيت معه في الحجرة عدد تلك الليالي ولا يصيبها فيها، فحمل يمينها على غير المصاب، إلا أن تكون نوت المصاب، ورأى مالك إذا لم يكن لها نية إنها تبر- أصابها أو لم يصبها، وبالله التوفيق.

.مسألة المتوارثين إذا ماتا جميعا فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه:

قال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: بلغني أنه قتل طلحة بن عبيد الله، وابنه محمد بن طلحة يوم الجمل، فاختصموا في ميراثه، فلم يورث أحد منهم من صاحبه، فأصلحت بينهم عائشة.
قال محمد بن رشد: هذا هو مذهب مالك وجميع أصحابه، والشافعي وأصحابه، وكافة أهل المدينة، وأكثر أهل العلم أن المتوارثين إذا ماتا جميعا بغرق، أو هدم، أو قتل، أو موت في بلدين، فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه، إنه لا يورث أحد منهما من صاحبه، ويكون ميراث كل واحد منهما لورثته من الأحياء؛ لأن الميراث لا يكون بالشك، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يورث كل واحد منهما من صاحبه فيما كان له من مال، دون ما ورثه عنه، مثال ذلك أن يموت رجل وابنه ولكل واحد منهما ولد، ولا يدرى من مات منهما قبل صاحبه، ويترك كل واحد منهما ستين دينارا، فيورث الأب من ابنه سدس الستين التي ترك عشرة، ويورث الابن من أبيه نصف ما ترك إن لم يكن له إلا أخ واحد- ثلاثين، فيحصل لولد الابن ثمانون دينارا، ولولد الأب أربعون، إذ لا يجعل لواحد منها ميراث فيما ورثه عنه، وهذا هو أحد قولي أبي حنيفة، ومذهب سفيان الثوري، وجماعة سواهما، وفي ذلك بين الصحابة اختلاف أيضا، فلكلا القولين وجه، فوجه القول الأول هو ما تقدم من أنه لا يورث بالشك، ووجه القول الثاني أنه لا يقطع ميراث أحد بشك؛ لأن ميراث أحدهم واجب لصاحبه بلا شك، فلا يقطع ميراث واحد منهما بشك، وبالله التوفيق.

.مسألة عقب الرجل إنما هو من يرجع نسبه إليه من ولده وولد ولده:

قال ابن القاسم: وسمعت مالكا يقول: العقب الولد الذكور والإناث من ولد الصلب، وولد ولدهم من الذكور والإناث من ولد الذكور.
قال محمد بن رشد: هذا ما لم يختلف فيه قول مالك، ولا قول أحد من أصحابه المتقدمين، كلهم يقول: إن عقب الرجل إنما هو من يرجع نسبه إليه من ولده وولد ولده- وإن سفلوا، فبنت الرجل من عقبه، وبنت ابنه وبنت ابن ابنه- وإن سفل؛ لأن كل واحدة منهن تنتسب إليه وترثه إذا لم يكن فوقها من يحجبها، وليس ولد بنت الرجل ذكرا كان أو أنثى من عقبه؛ لأنه لا ينتسب إليه ولا يرثه، وإنما هو من عقب بنته، فالأصل في هذا عند مالك مراعاة النسب والميراث، فإذا أوصى الرجل لولد رجل، أو لعقبه، أو حبس على ولد رجل، أو على عقبه، لم يدخل في ذلك أولاد البنات عند مالك، واختلف الشيوخ بالتأويل على مذهبه في الذرية، فمنهم من قال: إنه لا فرق على مذهب مالك بين الولد والعقب والذرية والنسك؛ لأن ولد البنات لا يدخلون في ذلك، ومنهم من قال: إنهم يدخلون في الذرية والنسل على مذهبه، ولا يدخلون في الولد والعقب، وقد فرغنا من تفسير هذه المسألة في غير هذا الكتاب، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف بعتق رقيقه في شيء ألا يفعله فأراد فعل ذلك:

ومن كتاب حلف ألا يبيع رجلا سلعة سماها:
وسئل: عن رجل حلف بعتق رقيقه في شيء ألا يفعله، فأراد فعل ذلك، وأراد أن يتصدق برقيقه على ولده وأمه صدقة صحيحة ليس فيها دلسة، قال: لا، حتى يبيعهم في الأسواق، قال ابن القاسم: قيل لمالك: فإن الرجل الحالف قد فعل، قال: فما أراه يخرج من المأثم.
قال ابن القاسم: وأرى إن كانت صدقة صحيحة تحاز عنه، فأرجو أن يكون خفيفا، وإن كان شيئا يليه فأراه حانثا.
قال سحنون وعيسى: إن تصدق بها على ولده الكبار فلا حنث عليه، وإن كانوا صغارا، فإنه حانث- ولي هو حيازتها، أو جعل ذلك إلى غيره يحوزها لهم، فأراه حانثا.
قال محمد بن رشد: قوله: لا حتى يبيعهم في الأسواق، معناه أنه لا ينبغي له أن يفعل ذلك، وقول مالك: إن فعل، فما أراه يخرج من المأثم، يدل على أنه لا يحنث عنده فيهم فيعتقون عليه، ومعناه إذا فعل ذلك الشيء- إذا حلف بعتق رقيقه إلا يفعله بعد أن حاز ولده وأمه عنه الرقيق بالصدقة، وأما لو فعل ذلك الشيء قبل أن يحاز عنه الرقيق بالصدقة، لوجب أن يعتقوا عليه على قياس قول ابن القاسم وروايته عن مالك في الذي يتصدق بالعبد ثم يعتقه، إن العتق أولى به من الصدقة، وقد مضى الكلام على ذلك في سماع محمد بن خالد من كتاب الصدقات والهبات، وهذا في الولد الكبير، وأما الولد الصغير فالحنث يلزمه فيهم، وإن حوزهم غيره على ما قاله سحنون وعيسى، يريدان إن كان لهما مال ويغرم لهما القيمة، فقولهما تفسير لقول ابن القاسم ففي الولد الكبير إن حاز لم يحنث فيهم، ولم يلزمه العتق، وإن لم يحز حنث فيهم ولزمه العتق، ولم يكن للولد شيء، وفي الولد الصغير إن كان له مال حنث فيهم ولزمه العتق، وكانت عليه القيمة، كما لو أعتقهم وولي هو حيازتهم، أو جعل ذلك إلى غيره، وإن لم يكن له مال لم يحنث فيهم، ولم يلزمه عتقهم، هذا تحصيل القول في هذه المسألة وقد كان بعض الناس يحمل الروايات على ظاهرها من الخلاف، فيقيم منها ثلاثة أقوال؛ أحدها: إن الحنث لا يقع عليه فيهم بعد الصدقة بهم- كان الولد صغيرا أو كبيرا، بدليل قوله أولا فما أراه يخرج من المأثم.
والثاني: الفرق بين أن يكون الولد صغيرا أو كبيرا- على ظاهر قول سحنون وعيسى.
والثالث: الفرق بين أن تحاز عنه الصدقة، أو يكون هو الذي يليها- كان الولد صغيرا أو كبيرا- على ظاهر قول ابن القاسم، وليس ذلك- عندي- بصحيح، وخشي عليه الإثم بالفرار من الحنث بالصدقة بهم على مثل أمه وولده الذي يعلم أنه لو أراد عتقهم بالحنث فيهم بعد أن تصدق بهم عليهم، لم ينازعوه في ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة قال مماليكي أحرار ولا نية له:

ومن كتاب أوله شك في طوافه:
وسئل مالك: عمن قال: كل مملوكا لي ذكر حر، يريد بذلك الرجال، قال ذلك على ما أراد ولا يضره ما قال: كل مملوك لي حر- إذا قال رجل، أو أراد بذلك الرجال- ولم يرد بذلك النساء، قال سحنون: ولو قال: مماليكي أحرار ولا نية له، عتق ذكور رقيقه دون إناثهم، قيل له: ولو قال: رقيقي أحرار، فقال: هذا خلاف عندي، وأرى أن يعتق ذكور رقيقه وإناثهم، قيل له: فلو قال عبيدي أحرار وكل عبد لي حر، قال: ليس يعتق عليه في هذا إلا ذكور عبيده دون الإناث، وهو بمنزلة من حلف ألا يأكل عجوة، فأكل صيحانيا.
قال محمد بن رشد: كذا وقع في هذه المسألة في بعض الروايات كل مملوك له ذكر حر، وسقط من بعضها ذكر، وسقوطه هو الصواب؛ لأنه إذا قال ذكر لم يحتج أن ينوي ذلك، وقوله ذلك على ما أراد ولا يضره ما قال: كل مملوك لي حر- إذا قال رجل، أو أراد بذلك الرجال- ولم يرد به النساء، يدل على أنه يقبل منه نيته ويصدق فيها- وإن كانت على قوله بينة، وذلك خلاف ظاهر ما في المدونة من أنه قال: كل مملوك لي حر- وله مكاتبون، ومدبرون، وأمهات أولاد، أنهم يعتقون عليه كلهم، وأما قول سحنون فيمن قال: مماليكي أحرار أو كل مملوك لي حر، أو عبيدي أحرار، أو كل عبد لي حر، أنه محمول على الذكران دون الإناث، فهو بعيد؛ لأنه لفظ يقع على الذكران والإناث، قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] أراد الذكر والأنثى، وقد حكى عنه ابنه أنه رجع عن ذلك فقال: يعتق الذكور والإناث- ولو أتى مستفتيا على القول بأنه يقع على الذكر والأنثى، فقال: أردت الذكر والأنثى لنرى في ذلك قولا واحدا، وأما إذا قال: رقيقي أحرار، فلا اختلاف في وقوعه على الذكر والأنثى، ولا في أنه لا ينوى في ذلك- إن ادعى أنه أراد الذكران أو الإناث، إلا أن يأتي مستفتيا، وقوله في الرواية: إذا قال رجل وأراد بذلك الرجال، صوابه إذا قال رجل أو أراد بذلك الرجال، فالواو هاهنا بمعنى أو؛ لأنه إذا قال رجل فلا يحتاج أن ينوى في ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف في جارية له إن وطئها فرقيقه أحرار:

وسئل مالك: عن الرجل يحلف في جارية له إن وطئها فرقيقه أحرار، فأراد وطئها فوهب رقيقه لولده، ثم أتى الجارية فوطئها، قال: ما أحب له إلا أن يبيعهم في السوق، فأما أن يعطيهم ولده فلا، قيل له: فإنه فعل ووطئ، قال: ما أرى ذلك له مخرجا، فقيل له: أتراهم أحرارا فوقف وقال: ما أرى ذلك مخرجا له، قال سحنون مثله، قال عيسى: إن كانوا صغارا، يحنث، وإن كانوا كبارا، فلا حنث عليه، قال أصبغ وهو قول ابن القاسم، قيل لعيسى: سواء عندك إن حازها الأب على ولده الصغار فكانت على يديه، أو جعلها على يدي غيره يحوزها لهم، فهو حانث، قال: نعم، وقد ذكر ابن القاسم في كتاب حلف ألا يبيع سلعة سماها من قول مالك مثل هذا سواء، وزاد فيها ابن القاسم من عنده وقال: أرى إن كانت صدقة صحيحة تحاز عنه، فأرجو أن يكون خفيفا، وإن كان شيئا يليه فأراه حانثا.
قال محمد بن رشد: قال مالك في هذه الرواية في الهبة مثل ما تقدم من قوله في رسم حلف في الصدقة، فدل ذلك على ألا فرق عنده بين الهبة والصدقة- وإن كانت الهبة تعتصر والصدقة لا تعتصر، ورأيت لابن دحون أنه قال: لا تجوز هبته للكبار؛ لأن له الاعتصار، إلا أن يقول لله أو للثواب، فيجوز ذلك، ومعنى قوله: أنه لا تجوز هبته للكبار، من أجل أن الصدقة تعتصر، كما لا تجوز الصدقة على الصغار، من أجل أن للأب أن يعتق عبد ابنه الصغير، وأن يوصي بعتقه وأن يحلف بعتقه- إذا كان له مال، وليس قوله:- عندي- بصحيح؛ لأن الهبة مال له موهوب له حتى تعتصر، فإذا خرج العبيد عن ملكه بالهبة، وجب ألا يحنث فيهم- وإن كان له أن يعتصرهم، إلا أن يكون وهبهم ونيته الاعتصار بعد أن يطأ جاريته، فلا يخرجه ذلك من يمينه، ويحنث فيهم وإن كان قد وهبهم، كما إذا تصدق بهم على وجه الدلسة ليسترجعهم بعد الحنث، فلا يبر بذلك، ويعتقون على معنى ما تقدم في رسم حلف، وما وقع في هذه الرواية من أن سحنون يقول مثل قول مالك، وأن ابن القاسم يقول مثل قول عيسى، يبين صحة ما ذهبا إليه من أن تفسير كلام بعضهم ببعض، ولا يحمل على ظاهره من الخلاف، وبالله التوفيق.

.مسألة سأل رجلا أمرا يخبره فقال فاحلف أنك لا تخبره أحدا ولتكتمه:

وسئل مالك: عن رجل سأل رجلا أمرا يخبره، فقال: فاحلف أنك لا تخبره أحدا، ولتكتمه، قال كل مملوك لي حر- إن أخبرت به أحدا، واستثنى في نفسه- إلا فلانا، أترى ذلك له ثنيا؟ قال: لا، ولا أرى الثنيا إلا ما حرك به لسانه، فأما استثناؤه في نفسه، فلا أرى ذلك له ثنيا، وسئل مالك: عن هذا، فقال: إن حرك به لسانه فله ثنياه، قيل لابن القاسم: فإن لم يعلم المحلوف له، قال: نعم وليس عليه أن يعلمه، سحنون لم يكن في كتابه وأنكره، ورأى أن ليس له ثنيا- وإن حرك به لسانه؛ لأن اليمين للذي استحلفه ولم يعجبه قول مالك فيها.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة بعينها متكررة في هذا الرسم من هذا السماع من كتاب النذور، ومضى الكلام عليها هناك مستوفى، فاكتفينا بذلك عن إعادته مرة ثانية هنا، ومضت أيضا في رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، وفي غير ما موضع، وبالله التوفيق.

.مسألة المرأة تعتق الرجل فيموت المعتق وثم ولدها وأخوها:

وسئل مالك: عن المرأة تعتق الرجل فيموت المعتق وثم ولدها وأخوها، من ترى أحق بالصلاة عليه؟ قال: ابنها، ما لأخيها وما له، ابنها أحق بميراثها والصلاة عليها، ومن أعتقت كذلك.
قال محمد بن رشد: هذا بين على ما قاله؛ لأن ابن المرأة أحق بها من أخيها في ميراثها والصلاة عليها، فهو أحق بالصلاة على مولاها، وإنما الاختلاف إن أراد الابن أن يقدم أجنبيا، أو من هو أبعد من الأخ، فقيل ذلك له لأنه حقه يجعله لمن شاء، وهو قول ابن الماجشون وأصبغ في الواضحة، ودليل ما في أخر أول رسم من سماع أشهب من كتاب الجنائز، وقيل: ليس ذلك له، والأخ أولى من الأجنبي الذي قدمه الابن؛ لأن الابن إذا أبى أن يأخذ حقه، وجب لمن بعده، كالشفيع، إذ لو وجبت له الشفعة، إنما له أن يأخذ أو يترك، وليس له أن يعطي حقه لمن شاء، وهو قول ابن عبد الحكم، وبالله التوفيق.

.مسألة ابتاع عبدا بثمن فكساه إزارا ثمنه ثمانية دراهم:

وسئل مالك: عن رجل ابتاع عبدا بثمن، فكساه إزارا ثمنه ثمانية دراهم، فكلمه رجل في أن يبيعه منه، فحلف بحريته إن باعه منه بربح خمسة دراهم حتى يزاد، وكانت نيته ما زاد من قليل أو كثير أن يقبله، فزاده درهما، أترى عليه شيئا لموضع الإزار الذي كساه- وقد بعته منه، وقلت له: نسأل عن يمينه، فإن لم يكن علي شيء فهو لك، وإن كان علي شيء، فإن شئت أن تأخذه على ذلك، وإن شئت أن تتركه، قال مالك: لا أرى أن تترك ثمن الإزار لموضع الحنث، ولم يقل له في الشرط شيئا، ثم قال له: فإني قد دفعته منذ ستة أيام إلى حجام يعلمه، وشارطته عليه يعلمه سنة بدينار، فقال: كم أقام عنده؟ قال: خمسة أيام، قال: أرض الحجام من عندك، فقال له: ما ترى علي حنثا؟ قال: لا، ولا أرى هذا من ناحية ما حلف، وهذه أيام يسيرة.
قال محمد بن رشد، هذه مسألة بينة كلها لا إشكال في أنه يحنث إن ترك ثمن الإزار؛ لأنه إذا اشتراه بلا إزار وباعه بالإزار، فقد وقع عليه بعض الثمن وصار قد باعه بأقل مما حلف عليه فحنث، ولا في أنه لا يحنث بما أرضى به الحجام؛ لأن ذلك مما لم يقصده في يمينه، ولا وقع عليه حلفه، كما أنه لا يلزم أن يعد في ثمنه- ما أنفق عليه في طعامه؛ لأن ذلك مما لم يقصده، ولا وقعت عليه يمينه، إلا أن يكون لذلك عرف كالنخاسين الذين يشترون الدواب ويبيعونها مرابحة فيقولون: اشتريتها بكذا، وأنفقت عليها كذا، وأبيعكها بربح كذا، فلو حلف التاجر منهم في دابة قد اشتراها للتجارة ألا يبيعها إلا بربح كذا، يحنث إذا لم يعد نفقته، ولو حلف رجل في جارية عنده أو دابة لم يشترها لتجارة ألا يبيعها إلا بربح كذا، لم يحنث إن لم يعد نفقته، إلا أن يكون نوى في يمينه أن يعد نفقته في الثمن، فلا يبر إلا بذلك، وقال: إنه لم يقل في الشرط شيئا وهو شرط جائز لا يقدح في صحة البيع؛ لأنه أوجبه له على نفسه، فكذلك الثمن إن لم يدخل عليه فيه حنث فذلك جائز، كمن قال: أوجبت لك سلعتي بكذا وكذا- إن جاء اليوم فلان، وما أشبه هذا، وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا:

وسئل: عن العبد يكون نصفه حرا، ونصفه مملوكا، يحتاج الذي له فيه الرق حاجة شديدة، أله أن يأخذ من مال عبده ما يأكل ويكتسي؟ قال: لا، الغني في هذا والفقير سواء بمنزلة واحدة، ليس لهم أن يأخذوا من ذلك شيئا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن العبد إذا أعتق بعضه أقر ما له بيده للشرك الذي له في نفسه، فليس للذي له فيه الرق أن يأخذ من ماله شيئا إلا برضاه غنيا كان أو فقيرا، إذ ليس الفقر بالذي يوجب له في ماله حقا لم يكن واجبا قبل، وبالله التوفيق.

.مسألة العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا يمرض:

وسئل: عن العبد يكون نصفه حرا ونصفه مملوكا يمرض، أترى أن ينفق عليه الذي له فيه الرق؟ قال: لا أرى عليه إلا قدر نفقة نصيبه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأنه كالعبد بين الشريكين، فلا يلزمه من نفقته إلا بقدر ما له منه- وإن مرض، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري العبد رقبة ثم يبدو له أن يبدله بخير منه وأكثر ثمنا:

ومن كتاب أوله الشجرة تطعم بطنين في السنة:
وسئل: عن الذي يشتري العبد رقبة ثم يبدو له أن يبدله بخير منه وأكثر ثمنا، قال مالك: ما أرى بذلك بأسا، إلا أن يكون اشتراه بشرط، فإن لم يكن اشتراه بشرط وأراد أن يبدله بخير منه، فما أرى بأسا.
قال محمد بن رشد: يحتمل أن يكون معنى ما سأله عنه: من اشترى العبد رقبة أن يشتريه لعتقه في رقبة واجبة عليه، أو عمن أوصى بذلك إليه بأن يقول للبائع: بعني هذا العبد أعتقه في رقبة واجبة علي، أو في وصية فلان، ويحتمل أن يكون اشتراه ينوي ذلك فيه ولم يعلم بذلك البائع، فأما إن كان اشتراه ينوي ذلك فيه دون أن يعلم بذلك البائع، فلا إشكال في أن له أن يبدله بخير منه، وأما إن كان أعلم بذلك البائع، فإعلامه بذلك عدة منه له بعتقه، وقد اختلف في ذلك، فقيل: إن العدة بخلاف الشرط، فلا يلزم المبتاع، ولا يكون للبائع في ذلك كلام، حكى ذلك ابن حبيب في الواضحة عن مالك نحو هذه المسألة، فعلى هذا القول يكون للمشتري أيضا أن يبدله بخير منه، وقيل: إن العدة في ذلك كالشرط ولا يلزم المبتاع العتق إلا أنه يكون البائع بالخيار بين أن يسترجع أو يدعه، وهو قول مالك في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، فعلى هذا القول لا يكون للمشتري أن يبدله بخير منه إلا برضى البائع، وأما إذا اشتراه بشرط على أن يعتقه، فقيل: إن العتق يلزمه وهو قول أشهب، خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة والعتبية، فقوله في هذه الرواية: إلا أن يكون اشتراه بشرط العتق يأتي على قول أشهب: أن العتق يلزمه، والذي يأتي في ذلك على قول ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وسماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع من العتبية أن له أن يبدله بخير منه برضى البائع، وأما إن كان اشتراه على إيجاب العتق، فلا اختلاف في أن ليس له أن يبدله بخير منه؛ لأن العتق قد وجب له، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

.مسألة يجدون الرقبة الرخيصة بالثمن اليسير يعتقها أهلها على أن ولاءها للذين يبيعونها:

وقال مالك: استشارني هؤلاء الذين يقسمون الخمس، وذكروا أنهم يجدون الرقبة الرخيصة بالثمن اليسير يعتقها أهلها على أن ولاءها للذين يبيعونها، فقلت: لا، ولكن اشتروها- وإن أغليتم- على أن ولاءها للمسلمين.
قال محمد بن رشد: كذا وقع في هذه الرواية الذين يقسمون الخمس، وحكاها ابن المواز: الذين يقسمون الزكاة، والحكم في ذلك سواء؛ لأن ما يعتق من الخمس أو من الزكاة، فولاؤه للمسلمين واشتراط البائعين لها، أن يكون الولاء لهم شرط باطل لا يحل ولا يجوز، ولا ينفذ إن وقع؛ لنهي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه وإبطاله له- بقوله في حديث بريرة: «ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله، فهو باطل- وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق» فقول مالك: لا، ولكن اشتروها وإن أغليتم على أن ولاءها للمسلمين، معناه: لا يشتروها على أن ولاءها للذين يبيعونها، فإن ذلك لا يجوز ولا يلزم، ولكن اشتروها بغير شرط، فيكون ولاؤها للمسلمين؛ لأنها اشتريت من مال المسلمين.
هذا معنى قوله: لأنه أمرهم أن يشتروها بشرط أن يكون ولاؤها للمسلمين؛ لأن الحكم يوجب ذلك وإن لم يشترطوه، ويحتمل أن يكون أراد بقوله على أن ولاءها للمسلمين أن يعلموهم أن اشتراط الولاء لا ينفعهم، وأن الولاء للمسلمين على كل حال، يشترون منهم على هذا، ولا يغرونهم بأن يشتروا منهم على أن الولاء لهم، وذلك لا يصح لهم، والله الموفق.

.مسألة كانت تبيت مع عمها في سطح وبينهما ستر فنزل عنها عمها:

ومن كتاب أوله حلف بطلاق امرأته:
وسئل مالك: عن امرأة كانت تبيت مع عمها في سطح- وبينهما ستر، فنزل عنها عمها، فقالت: لم نزلت عني؟ فقال: أكره أن أضيق عليك، فقالت: ما تضيق علي، فأبى، فقالت: كل مملوك لي حر إن لم تبت معي في السطح، فمرض عمها فأنزل من السطح إلى الكن، قال مالك: تنزل فتبيت معه حتى تسأل وتثبت، كأنه لم يره عليها بالواجب، قال ابن القاسم: ليس عليها شيء، وإنما أرادت وجه الضيق لنزوله عنها، ولم ترد ناحية المرض.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة، أنها حلفت أن يبيت معها في السطح مدة، ما وقتتها وسمتها، أو أرادتها ونوتها، كانقضاء المصيف ونحوه مما جرت العادة فيه بالمبيت في السطوح، فحمل ابن القاسم يمينها على البساط الذي خرجت عليه يمينها، من أنها إنما كرهت أن يترك المبيت معها في السطح، من أجل التضييق عليها، فلم ير عليها حنثا، إذ لم يترك المبيت معها من أجل التضييق عليها، وإنما تركه من أجل المرض، وهو المشهور في المذهب أن يمين الحالف إذا لم تكن له نية تحمل على بساط، ولا تحمل على مقتضى اللفظ إلا عند عدم البساط- على ما قاله مالك في رسم الطلاق الثاني من سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق في مسألة المغيب، وقيل: إن يمين الحالف إذا لم تكن له نية، يحمل على ما يقتضيه اللفظ، ولا يراعى البساط، وهو قول مالك في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم من كتاب التخيير والتمليك، وقاله في سماع سحنون في كتاب الأيمان بالطلاق في مسألة البالوعة، ولهذا الاختلاف توقف مالك في هذه المسألة، فقال: تنزل وتبيت معه حتى تسأل وتثبت، وقوله: كأنه لم يره عليها بالواجب، يريد نزولها ومبيتها معه في غير السطح، وكذلك هو غير ظاهر؛ لأنها إنما حلفت أن يبيت معها في السطح، فإما أن يحمل يمينها على البساط، فلا يكون عليها شيء كما قال ابن القاسم، وإما أن يحمل على اللفظ، فتكون قد حنثت إذا لم يبت معها في السطح؛ لأنها عمت ولم تستثن مرضا ولا غيره، ووجه قوله: تنزل فتبيت معه لاحتمال في أن تكون إنما كرهت مفارقته لها في المبيت، فإذا لم تفارقه فيه، لم يكن عليها حنث، وليس ذلك ببين، وبالله التوفيق.

.مسألة نذرت إن تسرر عليها زوجها فكل مملوك لها حر لوجه الله:

وسئل مالك: عن امرأة نذرت إن تسرر عليها زوجها، فكل مملوك لها حر لوجه الله، أو تزوج عليها إن أتيت مني ما يأتي الرجل من امرأته، فتسرر، فقالت: لا يحنثني في يميني وأنا راضية بأن لا تأتيني، فرضي بذلك الزوج ورضيت به، قال: لا أرى عليها في يمينها شيئا، وأرى ذلك صوابا.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال إن ذلك جائز إذا رضيا به جميعا؛ لأن الوطء حق لكل واحد منهما على صاحبه، فلو لم يرض الزوج بذلك، لكان له تحنيثها بالوطء، ولو رضيت هي بالحنث ورجعت عما كانت رضيت به من أن تبقى معه على غير جماع، لكان ذلك لها على ما قال، في المدونة في التي قالت لزوجها أن يتزوج عليها ويجعل أيامها لصاحبتها ثم شحت بعد ذلك، أن لها الرجوع في حقها من القسم، وكذلك لو رجع هو وأراد وطئها بعد أن كان رضي بالمقام معها على غير وطء، كان ذلك له، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري العبد رقبة ثم يريد أن يبدله بخير منه:

قال: وسئل مالك عن الرجل يشتري العبد رقبة، أيستقيل منه؟ قال: نعم، إلا أن يكون اشتراه على أنه حرفي العتق، فلا يستقيل منه.
قال محمد بن رشد: القول في هذه المسألة على قياس ما مضى بيانه في الرسم الذي قبل هذا في الذي يشتري العبد رقبة ثم يريد أن يبدله بخير منه، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.